كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قوله تعالى: {يوم يأت} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، والكسائي: {يوم يأتي} بياء في الوصل، وحذفوها في الوقف؛ غير أن ابن كثير كان يقف بالياء، ويصل بالياء.
وقرأ عاصم، وابن عامر، وحمزة بغير ياء في الوصل والوقف.
قال الزجاج: الذي يختاره النحويون {يوم يأتي} باثبات الياء، والذي في المصحف وعليه أكثر القراءات بكسر التاء، وهذيل تستعمل حذف هذه الياءات كثيرًا.
وقد حكى الخليل، وسيبويه، أن العرب تقول: لا أدرِ، فتحذف الياء، وتجتزئ بالكسرة، ويزعمون أن ذلك لكثرة الاستعمال.
وقال الفراء: كل ياء ساكنة وما قبلها مكسور، أو واو ساكنة وما قبلها مضموم، فإن العرب تحذفها وتجتزئ بالكسرة من الياء، وبالضمة من الواو، وأنشدني بعضهم:
كفّاك كَفٌّ مَا تُلِيْقُ دِرْهَمَا ** جُوْدًا وأُخْرى تُعْطِ بالسَّيفِ الدِّما

قال المفسرون: وقوله: {يوم يأتي} يعني: يأتي ذلك اليوم، لا تكلَّم نفس إِلا بإذن الله، فكل الخلائق ساكتون، إِلا من أذن الله له في الكلام.
وقيل: المراد بهذا الكلام الشفاعة.
قوله تعالى: {فمنهم شقي} قال ابن عباس: منهم من كُتبت عليه الشقاوة، ومنهم من كُتبت له السعادة.
قوله تعالى: {لهم فيها زفير وشهيق} فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: أن الزفير كزفير الحمار في الصدر، وهو أول ما ينهق، والشهيق كشهيق الحمار في الحلق، وهو آخر ما يفرغ من نهيقه، رواه أبو صالح عن ابن عباس، وبه قال الضحاك، ومقاتل، والفراء.
وقال الزجاج: الزفير: شديد الأنين وقبيحه، والشهيق: الأنين الشديد المرتفع جدًا، وهما من أصوات المكروبين.
وزعم أهل اللغة من الكوفيين والبصريين أن الزفير بمنزلة ابتداء صوت الحمار في النهيق، والشهيق بمنزلة آخر صوته في النهيق.
والثاني: أن الزفير في الحلق، والشهيق في الصدور، رواه الضحاك عن ابن عباس، وبه قال أبو العالية، والربيع بن أنس.
وفي رواية أخرى عن ابن عباس: الزفير: الصوت الشديد، والشهيق: الصوت الضعيف.
وقال ابن فارس: الشهيق ضد الزفير، لأن الشهيق ردُّ النَّفَس، والزفير إِخراج النَّفَس.
وقال غيره: الزفير: الشديد، مأخوذ من الزَّفْر، وهو الحَمل على الظهر لشدته؛ والشهيق: النَّفَس الطويل الممتد، مأخوذ من قولهم: جبل شاهق، أي: طويل.
والثالث: أن الزفير زفير الحمار، والشهيق شهيق البغال، قاله ابن السائب.
قوله تعالى: {خالدين فيها ما دامت السموات والأرض} المعروف فيه قولان:
أحدهما: أنها السموات المعروفة عندنا، والأرض المعروفة؛ قال ابن قتيبة، وابن الأنباري: للعرب في معنى الأبد الفاظ؛ تقول: لا أفعل ذلك ما اختلف الليل والنهار، وما دامت السموات والأرض، وما اختلفت الجِرَّة والدِرَّة، وما أطّت الإِبل، في أشباه لهذا كثيرة، ظنًا منهم أن هذه الأشياء لا تتغير، فخاطبهم الله بما يستعملون في كلامهم.
والثاني: أنها سموات الجنة والنار وأرضهما.
قوله تعالى: {إِلا ما شاء ربك} في الاستثناء المذكور في حق أهل النار سبعة أقوال:
أحدها: أن الاستثناء في حق الموحِّدين الذين يخرجون بالشفاعة، قاله ابن عباس، والضحاك.
والثاني: أنه استثناء لا يفعله، تقول: والله لأضربنَّك إِلا أن أرى غير ذلك، وعزيمتك على ضربه، ذكره الفراء، وهو معنى قول أبي صالح عن ابن عباس: {إِلا ما شاء ربك} قال: فقد شاء أن يخلَّدوا فيها.
قال الزجاج: وفائدة هذا، أنه لو شاء أن يرحمهم لرحمهم، ولكنه أعلمنا أنهم خالدون أبدًا.
والثالث: أن المعنى: خالدين فيها أبدًا، غير أن الله تعالى يأمر النار فتأكلهم وتفنيهم، ثم يجدد خلقهم، فيرجع الاستثناء إِلى تلك الحال، قاله ابن مسعود.
والرابع: أن {إِلا} بمعنى سوى تقول: لو كان معنا رجل إِلا زيد، أي: سوى زيد؛ فالمعنى: خالدين فيها مقدار دوام السموات والأرض سوى ما شاء ربك من الخلود والزيادة، وهذا اختيار الفراء.
قال ابن قتيبة: ومثله في الكلام أن تقول: لأُسْكنَنَّك في هذه الدار حولًا إِلا ما شئتَ؛ تريد: سوى ما شئتَ أن أزيدك.
والخامس: أنهم إِذا حُشروا وبُعثوا، فهم في شروط القيامة؛ فالاستثناء واقع في الخلود بمقدار موقفهم في الحساب، فالمعنى: خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إِلا مقدار موقفهم للمحاسبة، ذكره الزجاج.
وقال ابن كيسان: الاستثناء يعود إِلى مكثهم في الدنيا والبرزخ والوقوف للحساب؛ قال ابن قتبية: فالمعنى: خالدين في النار وخالدين في الجنة دوام السماء والأرض إِلا ما شاء ربك من تعميرهم في الدنيا قبل ذلك، فكأنه جعل دوام السماء والأرض بمعنى الأبد على ما كانت العرب تستعمل، وإن كانتا قد تتغيَّران.
واستثنى المشيئة من دوامهما، لأن أهل الجنة والنار قد كانوا في وقت من أوقات دوام السماء والأرض في الدنيا، لا في الجنة، ولا في النار.
والسادس: أن الاستثناء وقع على أن لهم فيها زفيرًا وشهيقًا، إِلا ما شاء ربك من أنواع العذاب التي لم تُذكر؛ وكذلك لأهل الجنة نعيم مما ذُكر، ولهم مما لم يُذكر ما شاء ربك، ذكره الزجاج أيضًا.
والسابع: أن {إِلا} بمعنى كما ومنه قوله: {ولا تَنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إِلا ما قد سلف} [النساء 22]، ذكره الثعلبي.
فأما الاستثناء في حق أهل الجنة، ففيه ستة أقوال:
أحدها: أنه استثناء لا يفعله.
والثاني: أن {إِلا} بمعنى سوى.
والثالث: أنه يرجع إِلى وقوفهم للحساب ولبثهم في القبور.
والرابع: أنه بمعنى: إِلا ما شاء أن يزيدَهم من النعيم الذي لم يُذكر.
والخامس: أن {إِلا} ك ما، وهذه الأقوال قد سبق شرحها.
والسادس: أن الاستثناء يرجع إِلى لبث من لبث في النار من الموحِّدين، ثم أُدخل الجنة، قاله ابن عباس، والضحاك، ومقاتل.
قال ابن قتيبة: فيكون الاستثناء من الخلود مُكث أهل الذنوب من المسلمين في النار، فكأنه قال: إِلا ما شاء ربك من إِخراج المذنبين إِلى الجنة، وخالدين في الجنة إِلا ما شاء ربك من إِدخال المذنبين النارَ مدَّةً.
واختلف القراء في {سعِدوا} فقرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وأبو بكر عن عاصم: {سَعِدوا} بفتح السين. وقرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم: بضمها، وهما لغتان.
قوله تعالى: {عطاءً غير مجذوذ} نُصب عطاء بما دل عليه الكلام، كأنه قال: أعطاهم النعيم عطاءً.
والمجذوذ: المقطوع؛ قال ابن قتيبة: يقال: جذذت، وجددت، وجذفت، وجدفت: إِذا قطعت.
قوله تعالى: {فلا تك في مرية} أي: فلا تك يا محمد في شك: {مما يعبد هؤلاء} المشركون من الأصنام، أنه باطل وضلال، إِنما يقلِّدون آباءهم، {وإِنا لموفُّهم نصيبهم} وفيه ثلاثة أقوال:
أحدها: ما قدِّر لهم من خير وشر، قاله ابن عباس.
والثاني: نصيبهم من الرزق، قاله أبو العالية.
والثالث: نصيبهم من العذاب، قاله ابن زيد.
وقال بعضهم: لا ينقصهم من عذاب آبائهم.
قوله تعالى: {ولقد آتينا موسى الكتاب} يعني التوراة: {فاختُلف فيه} فمن مصدِّق به ومكذِّب كما فعل قومك بالقرآن.
قال المفسرون: وهذه تعزية للنبي صلى الله عليه وسلم.
قوله تعالى: {ولولا كلمة سبقت من ربك} قال ابن عباس: يريد: إِني أخَّرت أمتك إِلى يوم القيامة، ولولا ذلك لعجَّلت عقاب من كذبك.
وقال ابن قتيبة: لولا نَظِرةٌ لهم إِلى يوم الدين لقُضي بينهم في الدنيا.
وقال ابن جرير: سبقت من ربك أنه لا يعجِّل على خلقه بالعذاب، لقضي بين المصدِّق منهم والمكذِّب باهلاك المكذب وإِنجاء المصدق.
قوله تعالى: {وإِنهم لفي شك منه} أي: من القرآن: {مريب} أي: موقع للريب.
قوله تعالى: {وإِن كُلًا} يشير إِلى جميع من قصَّ قصته في هذه السورة.
وقال مقاتل: يعني به كفار هذه الأمة.
وقيل: المعنى: وإِن كلًا لخلق أو بشر: {ليوفينَّهم}.
قرأ أبو عمرو، والكسائي: {وإِنَّ} مشددة النون، لما خفيفة.
واللام في لما لام التوكيد، دخلت على {ما} وهي خبر {إِنّ} واللام في {لَيوفينَّهم} اللام التي يُتلقَّى بها القَسم، والتقدير: والله ليوفينَّهم، ودخلت {ما} للفصل بين اللامين.
قال مكي بن أبي طالب: وقيل: إِن {ما} زائدة، لكن دخلت لتفصل بين اللامين اللَّذَيْن يتلقَّيان القسم، وكلاهما مفتوح، ففُصل ب {ما} بينهما.
وقرأ ابن كثير {وإِنْ} بالتخفيف، وكذلك {لما} قال سيبويه: حدثنا من نثق به أنه سمع من العرب من يقول: إِنْ عَمْرًا لمنطلق، فيخففون {إِنّ} ويُعملونها، وأنشد:
وَوَجْهٍ حَسَنِ النَّحرِ ** كأنْ ثَدْيَيْه حُقَّانِ

وقرأ نافع، وأبو بكر عن عاصم: {وإِن} خفيفة، {لمَّا} مشددة، والمعنى: وما كلًا إِلا؛ وهذا كما تقول: سألتك لمَّا فعلت، وإِلاَّ فعلت، ومثله قوله: {إِن كل نفس لما عليها حافظ} [الطارق 4].
وقرأ حمزة وابن عامر وحفص عن عاصم: {وإِنّ} بالتشديد، {لمّا} بالتشديد أيضًا.
قال أبو علي: هذه قراءة مشكلة، لأنه كما لا يحسن: إِنَّ زيدًا إِلا منطلق، كذلك لا يحسن تثقيل إِنَّ وتثقيل لمّا.
وحكي عن الكسائي أنه قال: لا أعرف وجه التثقيل في لمّا ولم يُبعد فيما قال.
وقال مكي بن أبي طالب: الأصل فيها لَمِن ما ثم أدغمت النون في الميم، فاجتمعت ثلاث ميمات في اللفظ، فحذفت الميم المكسورة؛ والتقدير: وإِنَّ كلًا لمِن خَلْقٍ ليوفينَّهم، قال: وقيل: التقدير: لَمَن ما بفتح الميم في مَن فتكون ما زائدة، وتحذف إِحدى الميمات لتكرير الميم في اللفظ؛ والتقدير: لَخلقٌ ليوفينَّهم، ومعنى الكلام: ليوفينَّهم جزاء أعمالهم.
قوله تعالى: {فاستقم كما أُمرت} قال ابن عيينة: استقم على القرآن.
وقال ابن قتيبة: امض على ما أمرت به.
قوله تعالى: {ومن تاب معك} قال ابن عباس: من تاب معك من الشرك.
قوله تعالى: {ولا تَطْغَواْ} فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: لا تطغوا في القرآن، فتُحلّوا وتحرِّموا مالم آمركم به، قاله ابن عباس.
والثاني: لا تعصوا ربكم ولا تخالفوه، قاله ابن زيد.
والثالث: لا تخلطوا التوحيد بشك، قاله مقاتل.
قوله تعالى: {ولا تركنوا إِلى الذين ظلموا} روى عبد الوارث عن أبي عمرو: {تَركُنوا} بفتح التاء وضم الكاف، وهي قراءة قتادة.
وروى هارون عن أبي عمرو {تَركِنوا} بفتح التاء وكسر الكاف. وروى محبوب عن أبي عمرو: {تِركَنوا} بكسر التاء وفتح الكاف. وقرأ ابن أبي عبلة {تُركَنوا} بضم التاء وفتح الكاف على مالم يُسم فاعله. وفي المراد بهذا الركون أربعة أقوال:
أحدها: لا تميلوا إِلى المشركين، قاله ابن عباس.
والثاني: لا تَرضوا أعمالهم، قاله أبو العالية.
والثالث: لا تلحقوا بالمشركين، قاله قتادة. والرابع: لا تُداهنوا الظلمة، قاله السدي، وابن زيد.
وفي قوله: {فتمسكم النار} وجهان.
أحدهما: فتصيبكم النار، قاله ابن عباس.
والثاني: فيتعدَّى إِليكم ظلمهم كما تتعدَّى النار إِلى إِحراق ما جاورها، ذكره الماوردي.
قوله تعالى: {وما لكم من دون الله من أولياء} أي: ليس لكم أعوان يمنعونكم من العذاب.
قوله تعالى: {وأقم الصلاة طرفي النهار} أما سبب نزولها، فروى علقمة والأسود عن ابن مسعود أن رجلًا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إِني أخذت امرأة في البستان فقبَّلتها، وضممتُها، إِليَّ وباشرتُها، وفعلتُ بها كل شيء، غير أني لم أجامعها، فسكت النبي صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى: {وأقم الصلاة طرفي النهار...} الآية، فدعا الرجل فقرأها عليه، فقال عمر: أهي له خاصَّة، أم للناس كافَّة؟ قال: «لا، بل للناس كافة».
وفي رواية أخرى عن ابن مسعود: أن رجلًا أصاب من امرأة قبلة، فأتى رسول الله، فذكر ذلك له، فنزلت هذه الآية، فقال الرجل: أليَ هذه الآية؟ فقال: «لمن عمل بها من أمتي» وقال معاذ بن جبل: كنت قاعدًا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء رجل، فقال: يا رسول الله، ما تقول في رجل أصاب من امرأة مالا يحل له، فلم يدَع شيئًا يصيبه الرجل من امرأته إِلا أصابه منها، غير أنه لم يجامعها؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «توضأ وضوءًا حسنًا، ثم قم فصلِّ».
فأنزل الله تعالى هذه الآية، فقال معاذ: أهي له خاصة، أم للمسلمين عامة؟ فقال: «بل هي للمسلمين عامة». واختلفوا في اسم هذا الرجل، فقال أبو صالح عن ابن عباس: هو عمرو بن غزيّة الأنصاري، وفيه نزلت هذه الآية، كان يبيع التمر، فأتته امرأة تبتاع منه تمرًا، فأعجبته، فقال: إِن في البيت تمرًا أجود من هذا، فانطلقي معي حتى أعطيك منه؛ فذكر نحو حديث معاذ وقال مقاتل: هو أبو مقبل عامر بن قيس الأنصاري. وذكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب الحافظ أنه أبو اليسر كعب بن عمرو الأنصاري. وذُكر في الذي قال للنبي صلى الله عليه وسلم، أله خاصة؟ ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه أبو اليسر صاحب القصة.
والثاني: معاذ بن جبل.
والثالث: عمر بن الخطاب.
فأما التفسير، فقوله: {وأقم الصلاة} أي: أتم ركوعها وسجودها.
فأما طرفا النهار، ففي الطرف الأول قولان:
أحدهما: أنه صلاة الفجر، قاله الجمهور.
والثاني: أنه الظهر، حكاه ابن جرير.
وفي الطرف الثاني ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه صلاة المغرب، قاله ابن عباس، وابن زيد.
والثاني: العصر، قاله قتادة.
وعن الحسن كالقولين.
والثالث: الظهر، والعصر، قاله مجاهد، والقرظي.
وعن الضحاك كالأقوال الثلاثة.